لتحسين قواعد النحو والإملاء واللغة العربية عمومًا، لستَ في حاجة إلى الانكباب على الكتب اللغوية ليل نهار. الأمر أبسط من ذلك فعلا.
فقط أكثِر من قراءة أي صنف أدبي أو علمي تحبّه، وسوف تنطبع الكلمات والقواعد والتركيبات السليمة في ذهنك مع الوقت، بمعنى آخر: ستزيل الغبار عن فطرتك السويّة وتعيد إليك ما سبق أن تعلّمه نوعك البشري عبر التاريخ.
ومن كثرة القراءة، وتنقلك بين الصفحات والمعاني والأفكار، واستغراقك فيها بكيانك وجميع حواسك، ستجد أنك قادرٌ على فهم أجزاء الجملة بمهارة، وإدراك الأحداث التي تقع، حتى لو لم تتمكن من إطلاق أسماء علمية عليها كما يفعل المختصّون، ولو وصلتَ إلى هذه النقطة، فيمكنك وقتها الاستعانة بكتاب مُبسّط لترتّب الأوراق في ذهنك ليس إلا، وامتلاك لغة موحّدة للحديث بها إلى أهل العلم.
ولعلمك، هذه هي الطريقة نفسها التي كان العربيّ القديم ينقل بها لغته إلى ابنه ويعلمه، وإن كان عمادها محاكاة النطق لا القراءة وقتها، إذ كان يُرسله إلى البادية، حيث العرب الذين حفِظت عليهم الصحراءُ سلامة لغتهم، وحمتها من اللغو واللحن، فيقيم معهم حتى يشتد عودُه اللغوي، وربما كشف عن شاعر أو فارس أو كليهما معا.
أما أغلب الطُرق التقليدية في تعليم اللغة التي تعتمد على البدء بدراسة القواعد أولا، ثم الانتقال إلى قراءة بعض النصوص الصعبة المعقدة، دون وجود حصيلة لغوية كافية، ولا علاقة بينها وبين البيئة التي سيخرج إليها الدارس، ولا خطة واضحة تنتظم عناصر المنهج وترتّبه بشكل منطقي، فلا تُثمر ولا تُغني من جوع، وربما تُمكن أحيانًا من (وصف) اللغة: هذا فاعل، هذا مفعول، لكنها لا تتيح امتلاك ناصيتها واستخدامها في حياتنا اليومية بشكل سلس.
وفي العصر الحديث نحتاج إلى أكثر من (الحفظ) لنتقن شيئًا، نحتاج إلى الألعاب التعليمية، والمناهج التفاعلية، والمسابقات المثيرة، وكل ما يجمع بين التعلم والمتعة. فأمر لا تجد فيه متعتك لن تشغف به.
كما أن اللغة –أي لغة- تضم أربع مهارات: الاستماع والفهم، الحديث، الكتابة، القراءة، وكي نصل إلى الطلاقة فيها، لا بدّ من تنميتها معًا في الوقت نفسه، فيما تركز مناهجنا غالبا على مهارة وتترك الأخرى في مهب الريح، أو تعطي وقتا لإحداها قبل أوانها فلا تعود لها ثمرة.
لكن الميزة أننا في تعلمنا العربية لا نبدأ من الصفر، إنما نقف على أرض ثابتة راسخة اسمها “العامية”.
نعم كما قرأت: العامية مدخل من مداخل دراسة الفصحى، إذ إن أغلبها كلمات فصيحة نحسبها عامية، أو عامية بقليل من الجهد والإضافة والحذف تتحول إلى فصحى، بل إن بعض علماء اللغة يذهبون إلى أن العامية حافظت على ثروة هائلة من الألفاظ الفصيحة المهملة عند الكتاب والأدباء والمصطلحات العربية الصحيحة التي استُنبـطت أيام ازدهـار الـمدنية ولم يضمها معجم ولا سجلها أحد من علماء اللغة إلا في القليل النادر، فلا حرب بين اللهجة العامية واللغة العربية الفصيحة أبدًا، إنما تبادل منافع وعلاقات حُسن جيرة إن أحسنَّا استغلالها سنكسب الكثير.
نُكرَّر: وصفة إتقان العربية تتلخّص في القراء ثم القراءة ثم القراءة.
اقرأ ما تُحبّه فقط، الكتاب الذي لا يُمتعك ألقِه في سلة القمامة، وتناول غيره، تأمّل المفردات والتراكيب التي تمر عليها، عش مع الصور والأخيلة، دعها تتسلل إلى أعماقك، وتصبح من صميم روحك، وحاول محاكاتها ولو لعبا ولهوا، ثم: اقرأ واقرأ واقرأ.
في البداية ربما تستثقل الأمر –لهذا قلنا اقرأ شيئًا ممتعًا- لكن بعد ذلك ستُدمنه، وستخرج بأكثر من إتقان اللغة العربية: المعرفة والمعلومة والترحال والخبرة الحياتية والطُرفة والمتعة الصافية التي لا تدانيها متعة.
لكن.. ابدأ اليوم، لتصل بعد بضع أشهر أو سنين، حسب إيقاع سيرك في الرحلة.